السبت، 23 يوليو 2011

الجوع: كاسر الإنسان والكواسر،

عن شبح المجاعة الحاضر... 
   1   حياة الصورة: سلسلة تدوينات من وحي الصور                                                                             

هذه الصورة الحائزة على جائزة بوليتزر أخذت سنة 1994 إبان المجاعة التي ضربت السودان، وهي لطفلة تحبو إلى مخيم للأمم المتحدة يبعد كيلومترا. وفي رواية: فإن أهلها في هذه اللحظات كانوا قد ذهبوا للحصول على الغذاء من طائرة تابعة  للأمم المتحدة هبطت غير بعيد وكان المصور أحد ركابها. إلى جانب الطفلة هناك النسر الذي ينتظرها حتى تموت  ليأكلها. إنها صورة من النوع الذي صدم العالم، فلا أحد يعرف ماذا حدث للصغيرة بما في ذلك المصور كيفن كارتر الذي ترك المكان وقتا قصيرا بعيد التقاط الصورة. وبعد ثلاثة أشهر انتحر بسبب الإكتئاب.

تلك قصة الصورة، أما حديث الساعة فهو عن شبح مجاعة يطل برأسه على القرن الإفريقي. فهل ننتظر صورا مماثلة حتى يفعل العالم شيئا لأجل هؤلاء الذين بدأت وسائل الإعلام فعلا في نقل صورة مؤلمة لهم. هل ستظل هذه المآسي تتكرر والمجتمع العالمي أعمى، جاهل لا يأخذ درسا ولا ينتفع به. 
الواضع الراهن في الصومال خاصة، بالإضافة لكينيا وبلدان أخرى في تلك المنطقة، هو مشهد كارثي من الجفاف والمجاعة التي تحصد البشر وكلّ شيء حيٍّ.  وإذا لم يكن ضمير العالم يقظا وإحساسه بإنسانيته حاضرا والتزامه بما تمليه شرائعه المختلفة قائما، فإن مصيرا مشابها لما قاد إلى إنتاج الصورة أعلاه سيعود مجدداُ. وللأسف فإن بوادر تكرار ما حدث سابقا في مناطق شتى من إفريقيا تلوح في الأفق:  فبعض المراقبين يروون أنهم شاهدوا أطفالا في سن الرابعة في حين أنهم يبدون وكأن أعمارهم لا تتجاوز أشهراُ نتيجة سوء التغذية.
النساء والرجال، إنما الأطفال بشكل خاص، يموتون أمام أعين الكاميرات وعلى الشاشات والمتفرجون من كل أنحاء الكرة الأرضية: بمن في ذلك قاطنو القصور ومنهم من يرمي سلال الطعام في سلات المهملات. إن الموت جوعا في إفريقيا، وثيقة مضادة تقدم شهادة تشكك إلى أقصى حد في الحضارة البشرية ومجمل التقدم الذي حققته.

الأربعاء، 20 يوليو 2011

الدون عزيز: حربنا الخاسرة



هي في الواقع ليست حربنا، لا بد من قول ذلك، والأسباب أن أحدا لم يعد إلينا، ولا حتى إلى البرلمان، ليسأل: أنخوض هذه الحرب أم أنه لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟ ليست حربنا مرة أخرى لأن بإمكاننا أن نتجنبها، أو على الأقل بإمكاننا تأجيلها حتى تصبح من أجلنا، حتى تكون ناصعة بيّنة لا تشوبها شائبة الارتزاق ولا تهمة الحرب بالوكالة.
لكنها أيضا حربنا، نعم حربنا التي نضيف لأنفسنا لنصفها عن مضض بالخاسرة. حربنا التي تخاض باسمنا [ أكان ذلك برغبتنا أو من دونها]، والتي ندفع في النهاية ضريبتها من دماء أبنائنا المرابطين على الحدود. الحرب التي نصطف فيها وراء الدون عزيز، وقد وجد طريقا إليها عبر تمسكه بهذا المصطلح حتى في السياسة.
الطرق في فلسفة هذا الرجل هاجس لا يفارقه، وعلى مسؤولية التلفزة الموريتانية: "فإن طريق كنكوصه ـ كيفة الذي دشن أخيراً [وقس على ذلك] يندرج في إطار قناعة الرئيس بأن الطرق هي الركيزة الأساسية لتنمية البلد" أو كما قال. والدون عزيز، يبدو في تذليله الطريق إلى الحرب حتى على أرض دولة أخرى كمالي المجاورة، كمن يستعير من المشاريع الإنشائية ذات الصلة بالبنية التحتية للمضي في مشاريع تدميرية. ونفس الشيء يمكن قوله عن تمديده لـــ"لحرب على الفساد والمفسدين" كما يسمّي حتى تطال الحرب التي تشتعل فيها النيران وينطلق الرصاص لا مجرد الكلمات ولهيب الألسنة.
ثنائية الحرب والطرق التي تمتزج في عقل هذا الفارس القروسطي، تدعو للقول بأنه ربما لا يعي أن الطرق التي قد تكون فعلا مطية للتنمية، منها ما يقود إلى الحجيم. والحرب التي تعلن على الفساد لا مانع، في عالم الأشياء المقلوبة، من أن يقودها مفسدون ولكن لا يشعرون.